م. أحمد بن موسى
ها أنا أدخل غير مرغم إلى حقل ألغام شديد الخطورة والانفجار،
بسببٍ أو بدون سبب أستل قلمي وأوراقي وبعض الأفكار وأعرف أنني أكتب ما
سأندم وأعتذر عنه لاحقاً، فكما عُرف عن بدو الصحراء الشرقية استخدامهم
للحمير – حشاكم – كاختبار خلو من الألغام لأي أرض يدخلونها للمرة الأولى،
سأعتبر نفسي أول الحمير – حشاكم برضو – وأكتب ما يلي آملاً تفادي
الانفجارات وآملاً أن أجد في نفسي ما يكفي من الشجاعة للنشر لاحقاً.
يعرف الجميع أن بنغازي كانت على طول تاريخ ليبيا الحديث
المشاكس الأول – وليس الوحيد – لحاكميها، وأن طبيعتها كبوتقة تصهر كافة
ألوان وأطياف الشعب الليبي جعلت منها “ثرمومتر” المزاج السياسي الوطني
بامتياز، فصارت مقياس سعادة أو احتقان الشارع الليبي، وكما كان يقول الملك
ادريس رحمه الله “كان بنغازي متريحة .. معناها ليبيا كلها متريحة”، وذلك
نظراً لتداخلها وتشابكها في النسيج الاجتماعي لكافة ربوع البلاد، واختلاط
الدم الليبي من كافة المناطق في هذه “السبخة” الرائعة .. رباية الذايح.
غير أن بنغازي –وبرقة من حولها- لم تدرك عند قيام انقلاب
القذافي المشؤوم أن قواعد اللعبة اختلفت وأن الخصم الجديد يضرب فوق الحزام
وتحت الحزام، وبالحزام أحياناً، وأنه ينتظرها بعد كل مباراة ليكسر عظامها
كذلك، الأمر الذي ألقى بظلاله على علاقة المدينة ومن حولها المنطقة الشرقية
والجنوبية الشرقية – بطبيعة الحال – بالعقيد والتي تحولت شيئاً فشيئاً إلى
حب لدود وضرب موجع من الطرفين، استخدم فيه النظام كل ما أمكن من إعدامات
علنية و هدمٍ لمعالم المدينة وتوزيع الموت على نزلاء مستشفى الأطفال لإخضاع
المدينة والمنطقة من بعدها، بالإضافة إلى السلاح الأهم و الأكثر فعالية
على المدى المتوسط والبعيد، الاقتصاد.
قام النظام بإمساك المنطقة الشرقية من ذراعها الأكثر إيلاماً،
فمارس سياسة إخضاع اقتصادي موجهة، بغرض تركيع المدينة وما جاورها والحد
من تحركاتهم التي لن تصب في مصلحته بأي حال من الأحوال، هاجر اقتصاد البلاد
شيئاً فشيئاَ نحو غربها، وصار نفط ليبيا ينتج – في معظمه – في شرق البلاد
لينفق في غربها، وصارت ضرائب المشاريع المقامة في درنة – على ندرتها – تدفع
لخزانة ضرائب العاصمة، وصار الرجل في اجخرة – التي ترقد فوق بحر من النفط –
يضطر إلى السفر إلى بنغازي لجبر يده إن كسرت، دون أن يشفع له أن واحته
الصغيرة تضخ ذهباً بسواد ليلها لأكثر من نصف قرن من الزمان، ودون مقارنتها
بقرية مماثلة في غرب أو جنوب البلاد كـ”تراغن” مثلاً، مع فارق الانتاج
النفطي، والانتماء طبعاً.
ومن المعروف أن القذافي قام بشكل منظم بمحاولة تركيع المنطقة
التي ظلت على مر سنين حكمه الخصم الأول إلى جانب “الرجعية والامبريالية”
والتان سقط النظام دون أن أفهم كنههما، فأحبط مراراً وتكراراً مقترحات
إقامة المشاريع التنموية والإسكانية و غيرها في الإقليم الذي داوم على
إنجاب “الكلاب الضالة”، وقصة “بنغازي لا تستحق” التي كتبت رداً على مقترح
شركة الخليج العربي للنفط إنشاء مصفاة للنفط بضواحي المدينة معروفة لدى
الوسط النفطي، بل تعدى الأمر ذلك إلى محاولة نقل الشركة –وهي أكبر منتج
للنفط في ليبيا- إلى العاصمة، لتنضم إلى نادي الشركات النفطية التي تدير من
أقصى غرب البلاد حقولاً وموانيء نفطية تقع في أقصى الشرق، أضف إلى ذلك
المركزية العنيفة التي مارسها النظام بحق الشعب، فصار كل مستند يراجع في
طرابلس، وكل شهادة تعتمد في طرابلس، وكل مشروع يوقع في طرابلس، وصار الحج
إلى طرابلس فرض عين إن أردت الحياة على تراب الوطن، وصارت الهجرة إلى
العاصمة ديدن كل من يطمح في عيش كريم أو شبه كريم، فالعمل والمال في
العاصمة، والمشاريع في الغرب، ولشرق وجنوب البلاد البطالة والكساد
الاقتصادي وفناجين الشاي التي لا تنتهي.
إن ما حدث في هذه الثورة حطم بشكل نهائي صنم القمع وتكبيل
الأفواه الذي نحته القذافي باحتراف، وأصبح لزاماً على أي حكومة قادمة أن
تفهم أن تركيز كل إمكانات البلاد في يدٍ واحدة لن يؤدي إلا إلى المزيد من
الظلم والخراب والفوضى، وأنه من الواجب إحداث نوع من التوازن بين أقاليم
البلاد الثلاث، بشكل يتحقق معه شكل من أشكال العدالة في تنفيذ برامج
ومشاريع التنمية، وذلك بتوزيع منطقي وعادل لمؤسسات الدولة ووزاراتها بين
طرابلس وبنغازي وسبها، وتجنب المركزية بكافة أشكالها، مع مراعاة المحافظة
على كينونة طرابلس كعاصمة لليبيا الموحدة، وذلك وفائاً لأنهار الدم التي
سالت في سبيل القضية والوطن، مما يمهد لاستفادة كافة الليبيين من موارد
وخيرات بلادهم، الأمر شديد الخطورة والأهمية، فالشعب الذي خرج يوم 15
فبراير، سيخرج في تواريخ أخرى .. إن اضطره الأمر لذلك.
م. أحمد بن موسى
ها أنا أدخل غير مرغم إلى حقل ألغام شديد الخطورة والانفجار،
بسببٍ أو بدون سبب أستل قلمي وأوراقي وبعض الأفكار وأعرف أنني أكتب ما
سأندم وأعتذر عنه لاحقاً، فكما عُرف عن بدو الصحراء الشرقية استخدامهم
للحمير – حشاكم – كاختبار خلو من الألغام لأي أرض يدخلونها للمرة الأولى،
سأعتبر نفسي أول الحمير – حشاكم برضو – وأكتب ما يلي آملاً تفادي
الانفجارات وآملاً أن أجد في نفسي ما يكفي من الشجاعة للنشر لاحقاً.
يعرف الجميع أن بنغازي كانت على طول تاريخ ليبيا الحديث
المشاكس الأول – وليس الوحيد – لحاكميها، وأن طبيعتها كبوتقة تصهر كافة
ألوان وأطياف الشعب الليبي جعلت منها “ثرمومتر” المزاج السياسي الوطني
بامتياز، فصارت مقياس سعادة أو احتقان الشارع الليبي، وكما كان يقول الملك
ادريس رحمه الله “كان بنغازي متريحة .. معناها ليبيا كلها متريحة”، وذلك
نظراً لتداخلها وتشابكها في النسيج الاجتماعي لكافة ربوع البلاد، واختلاط
الدم الليبي من كافة المناطق في هذه “السبخة” الرائعة .. رباية الذايح.
غير أن بنغازي –وبرقة من حولها- لم تدرك عند قيام انقلاب
القذافي المشؤوم أن قواعد اللعبة اختلفت وأن الخصم الجديد يضرب فوق الحزام
وتحت الحزام، وبالحزام أحياناً، وأنه ينتظرها بعد كل مباراة ليكسر عظامها
كذلك، الأمر الذي ألقى بظلاله على علاقة المدينة ومن حولها المنطقة الشرقية
والجنوبية الشرقية – بطبيعة الحال – بالعقيد والتي تحولت شيئاً فشيئاً إلى
حب لدود وضرب موجع من الطرفين، استخدم فيه النظام كل ما أمكن من إعدامات
علنية و هدمٍ لمعالم المدينة وتوزيع الموت على نزلاء مستشفى الأطفال لإخضاع
المدينة والمنطقة من بعدها، بالإضافة إلى السلاح الأهم و الأكثر فعالية
على المدى المتوسط والبعيد، الاقتصاد.
قام النظام بإمساك المنطقة الشرقية من ذراعها الأكثر إيلاماً،
فمارس سياسة إخضاع اقتصادي موجهة، بغرض تركيع المدينة وما جاورها والحد
من تحركاتهم التي لن تصب في مصلحته بأي حال من الأحوال، هاجر اقتصاد البلاد
شيئاً فشيئاَ نحو غربها، وصار نفط ليبيا ينتج – في معظمه – في شرق البلاد
لينفق في غربها، وصارت ضرائب المشاريع المقامة في درنة – على ندرتها – تدفع
لخزانة ضرائب العاصمة، وصار الرجل في اجخرة – التي ترقد فوق بحر من النفط –
يضطر إلى السفر إلى بنغازي لجبر يده إن كسرت، دون أن يشفع له أن واحته
الصغيرة تضخ ذهباً بسواد ليلها لأكثر من نصف قرن من الزمان، ودون مقارنتها
بقرية مماثلة في غرب أو جنوب البلاد كـ”تراغن” مثلاً، مع فارق الانتاج
النفطي، والانتماء طبعاً.
ومن المعروف أن القذافي قام بشكل منظم بمحاولة تركيع المنطقة
التي ظلت على مر سنين حكمه الخصم الأول إلى جانب “الرجعية والامبريالية”
والتان سقط النظام دون أن أفهم كنههما، فأحبط مراراً وتكراراً مقترحات
إقامة المشاريع التنموية والإسكانية و غيرها في الإقليم الذي داوم على
إنجاب “الكلاب الضالة”، وقصة “بنغازي لا تستحق” التي كتبت رداً على مقترح
شركة الخليج العربي للنفط إنشاء مصفاة للنفط بضواحي المدينة معروفة لدى
الوسط النفطي، بل تعدى الأمر ذلك إلى محاولة نقل الشركة –وهي أكبر منتج
للنفط في ليبيا- إلى العاصمة، لتنضم إلى نادي الشركات النفطية التي تدير من
أقصى غرب البلاد حقولاً وموانيء نفطية تقع في أقصى الشرق، أضف إلى ذلك
المركزية العنيفة التي مارسها النظام بحق الشعب، فصار كل مستند يراجع في
طرابلس، وكل شهادة تعتمد في طرابلس، وكل مشروع يوقع في طرابلس، وصار الحج
إلى طرابلس فرض عين إن أردت الحياة على تراب الوطن، وصارت الهجرة إلى
العاصمة ديدن كل من يطمح في عيش كريم أو شبه كريم، فالعمل والمال في
العاصمة، والمشاريع في الغرب، ولشرق وجنوب البلاد البطالة والكساد
الاقتصادي وفناجين الشاي التي لا تنتهي.
إن ما حدث في هذه الثورة حطم بشكل نهائي صنم القمع وتكبيل
الأفواه الذي نحته القذافي باحتراف، وأصبح لزاماً على أي حكومة قادمة أن
تفهم أن تركيز كل إمكانات البلاد في يدٍ واحدة لن يؤدي إلا إلى المزيد من
الظلم والخراب والفوضى، وأنه من الواجب إحداث نوع من التوازن بين أقاليم
البلاد الثلاث، بشكل يتحقق معه شكل من أشكال العدالة في تنفيذ برامج
ومشاريع التنمية، وذلك بتوزيع منطقي وعادل لمؤسسات الدولة ووزاراتها بين
طرابلس وبنغازي وسبها، وتجنب المركزية بكافة أشكالها، مع مراعاة المحافظة
على كينونة طرابلس كعاصمة لليبيا الموحدة، وذلك وفائاً لأنهار الدم التي
سالت في سبيل القضية والوطن، مما يمهد لاستفادة كافة الليبيين من موارد
وخيرات بلادهم، الأمر شديد الخطورة والأهمية، فالشعب الذي خرج يوم 15
فبراير، سيخرج في تواريخ أخرى .. إن اضطره الأمر لذلك.
م. أحمد بن موسى
الإثنين مارس 10, 2014 2:33 am من طرف dexter ly
» اصحاب - قصيدة مؤثرة جداً على الأصحاب
الإثنين يوليو 22, 2013 4:39 am من طرف ابنك يابرقة
» بوعياد - هافي سفيرهم
الإثنين يوليو 22, 2013 4:38 am من طرف ابنك يابرقة
» نحن مسلاته
الإثنين يوليو 22, 2013 4:37 am من طرف ابنك يابرقة
» ليبيا 17 فبرياير
الإثنين يوليو 22, 2013 4:34 am من طرف ابنك يابرقة
» ما أيفيدكم تهديدي
الإثنين يوليو 22, 2013 4:32 am من طرف ابنك يابرقة
» رد الشاعر على كلمة (من انتم )
الإثنين يوليو 22, 2013 4:32 am من طرف ابنك يابرقة
» ما بي مرض غير فقدت احباب
الإثنين يوليو 22, 2013 4:31 am من طرف ابنك يابرقة
» قصيدة يا طرابلس قوليله
الإثنين يوليو 22, 2013 4:31 am من طرف ابنك يابرقة