صالح بن عبدالله السليمان
كم انبهر العالم بالشباب العربي في تونس وفي مصر وفي اليمن وفي سوريا و
ولكن للثورة الليبية طعم آخر ومذاق آخر , فكما انبهر العالم بشباب العرب
فلقد وقف العالم حائرا أمام ثورة 17 فبراير, أنبهر بالشباب الليبي البطل
وهو يقف بصدر عالي وعاري أمام القذائف المضادة للطائرات تضرب به , وهو ثابت
على مبدأه لا يتزحزح . وكما انبهرنا كلنا في جميع أنحاء العالم بالكم
الكبير من العقول الليبية المهاجرة , وكما انبهرنا كلنا بالشباب الليبي
والتحامه بالجيش الوطني الليبي , وكيف تغلب على صعاب كان تجاوزها يعد
مستحيلا , انبهرنا بالأسلحة يصنعها من لم يكن له خبرة في السلاح . انبهرنا
بالتكتيكات الحربية في مصراتة وجبل نفوسه.
حقا لقد كانت ثورة ليبيا مبهرة أيما إبهار , حتى وإن حاولت بعض الأقلام
وبعض المفكرين المشهورين على الساحة الإعلامية والثقافية النيل منها ,
لأنها قلبت كل المعادلات وجميع المقاييس التي تعلموها وبقوا ردحا طويلا من
الزمن وهم يلقنونا إياها.
لقنونا إن كرامة الحاكم هي كرامة الوطن ولذلك يجب أن لا يمس الحاكم ,
فذاته فوق الشبهات , وأخطاءه مكرمات وحسناته معجزات.
لقنونا أن الشعارات مكانتها فوق كرامة المواطن وفوق لقمة عيشه . وان
الوطن يعيش بهذه الشعارات , ولا يعيش لا بغذاء ولا بطرق ولا مستشفيات أو
مصانع.
لقنونا انه يكفي للحاكم أن يقول , فقط أن” يقول ” في خطبه انه معارض
لإسرائيل وللصهيونية وللإمبريالية فيصبح الحاكم الحر الأبي . ولا يلزمه أو
يجب عليه أن يثبت كلامه بأي فعل , فإذا انبطح أمام الغرب وفتح لهم مخازن
مال دولته , وإذا بقى جزء من وطنه محتل عقودا عديدة , فهذا لا يهم , فهو
“يقول” انه معارض , وحتى إن خرج على وسائل الإعلام الغربية يقول إن امن
نظامي من امن إسرائيل , أو خرج يقول للغرب , تعالوا أمنوا نظامي وخذوا ما
تريدون , فهذا لا يؤاخذ به الحاكم , ما دامت خطبه ” تقول ” انه معارض.
لقنونا أن وسائل الإعلام التي تفتح المخفي وتكشف المستور هي وسائل إعلام
عميلة للغرب وعميلة للاستعمار , وكل كاتب يكتب ما لا يود الحاكم أن يسمعه
فهو عميل ومتآمر ويجب القضاء عليه , وإن الكاتب الذي يطبل للحاكم ” المعارض
” صبح مساء هو الوطني وهو القلم الحر.
كل هذه القيم انتهت وتهاوت كبيت من ورق في وجه سيل هادر طالب بالحرية
والكرامة , وقذفها السيل كالزبد على جوانب الطريق ومضى هادرا لا يلتفت
إلى الوراء نحو هدفه.
دفعت تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا أثمانا باهظة في سبيل نيل حريتها ,
وستكون هي القاطرة التي ستنقل الأمة العربية والإسلامية إلى مستقبل يحترم
فيه الإنسان, يحترم فيه الكائن البشري ويحترم فيه الوطن.
لن يعود الوطن شعارا نتغنى به , ولن تكون نشيدا يردده الصبية صباحا في
طابور الصباح , بل سيكون الوطن والمواطن وحدة واحدة , سيكون الوطن كالعملة
النقدية الكبيرة تتكون من مئات من الوحدات النقدية الصغيرة , وإن نقصت إحدى
هذه الوحدات فلن يعود الوطن كاملا.
فكمال الوطن من تكامل أبناءة , وأبناءه يتكاملون إذا حصلوا على حريتهم
وأشعرهم الوطن بكرامتهم , وأحسوا أنهم جميعا سواسية , فلا هذا ابن فلان فهو
فوق القانون , ولا هذا أبن فلان فله من الحقوق ما ليس لغيره . فكلهم على
تراب الوطن وتحت سماءه يتحملون نفس الواجبات ولهم نفس الحقوق , فلا تمييز
بينهم ولا تمايز , إلا بالجهد والعرق.
يكون القانون أعمى, لا يرى من يلبس أفضل فيحكم له , ويكون أصم فلا يسمع
أن هذا ابن فلان فيحكم له , يكون القانون كالميزان المعتدل الصحيح , بهذا
سينمو الوطن ويكبر ويزدهر.
ولكن كما يجب على الوطن واجبات فعلى المواطن واجبات يجب ان يقوم بها.
أولى هذه الواجبات أن يحب وطنه بحق , لا أن يحب وطنه باللسان.
يتغنى بحب الوطن وهو يطلق الرصاص الحي كلما فرح , فيريع الآمن ويصيب
الغافل البريء.
يتغنى بحب الوطن وهو يلقي بالقمامة في الشارع.
يتغنى بحب الوطن وهو يعطي قريبه حق من الحقوق , غيره أولى بها.
يتغنى بحب الوطن وهو يسمح لنفسه أن يغش في عملة.
يتغنى بحب الوطن وهو يطلب رشوة أو يعطيها.
يتغنى بحب الوطن وهو يذهب لعمله متأخرا ولا ينجز عمله ويخرج مبكرا غير
آبه بأبناء وطنه وحاجاتهم.
يتغنى بالوطن وهو يكذب ويغش ويدلس.
بهذه الممارسات لن يكون الوطن وطنا حقيقيا كما نرغب به ولن يكون كذلك
إلا إن أحترم المواطن بلده وأهله وشعبه.
هنالك رواية أظن كلنا يعرفها , كلنا سمعها ,وأتمنى أن نكون كلنا قد
وعيناها.
يحكى انه كان هناك قرية , وكانوا يتوقعون أن يأتيهم فصل جفاف ولم يكن
إنتاج القرية آن ذاك يكفي لسداد حاجتها , فقام حكيم القرية بوضع وعاء كبير
جدا وله فتحة في أعلاه , وطلب من كل فرد في القرية أن يصب في هذا الوعاء
كأسا من اللبن كل صباح.
في أول يوم ’ كل فرد أتى بكاس من اللبن وصبه في الوعاء , واستمروا يومين
أو ثلاثة , ثم فكر احدهم , لماذا لا أصب كاس ماء , ولن يحس بي احد , بهذا
سوف اكسب كوب لبن لبيتي.
وبعد أشهر , حل فصل الجفاف , وجاء الناس للحكيم يطلبون منه أن يعطيهم من
الوعاء , فقال لهم اغرفوا منه.
غرفوا فإذا هو ماء ,استغربوا ونظر كل منهم للأخر بدهشة وغضب واستحياء ,
وإذ بجميع أبناء القرية فكروا مثل ذلك الرجل.
وهكذا عادوا مرة أخرى للمعاناة من شظف العيش وموت أطفالهم جوعا , وهلاك
ماشيتهم من القحط.
والمغزى هنا , يجب على كل مواطن أن يشعر بان دوره هام في حياة مجتمعة ,
وان كاس الماء إذا أضافه هو فسيكون ليس آخر كاس ماء.
لنسقي وطننا لبنا ليسقينا اللبن . ولا نطلب من الوطن أن يحول ماءنا إلى
لبن , فهذا لن يحصل.
جعل الله أيامكم كلها لبنا.
صالح بن عبدالله السليمان، كاتب مسلم عربي سعودي
كم انبهر العالم بالشباب العربي في تونس وفي مصر وفي اليمن وفي سوريا و
ولكن للثورة الليبية طعم آخر ومذاق آخر , فكما انبهر العالم بشباب العرب
فلقد وقف العالم حائرا أمام ثورة 17 فبراير, أنبهر بالشباب الليبي البطل
وهو يقف بصدر عالي وعاري أمام القذائف المضادة للطائرات تضرب به , وهو ثابت
على مبدأه لا يتزحزح . وكما انبهرنا كلنا في جميع أنحاء العالم بالكم
الكبير من العقول الليبية المهاجرة , وكما انبهرنا كلنا بالشباب الليبي
والتحامه بالجيش الوطني الليبي , وكيف تغلب على صعاب كان تجاوزها يعد
مستحيلا , انبهرنا بالأسلحة يصنعها من لم يكن له خبرة في السلاح . انبهرنا
بالتكتيكات الحربية في مصراتة وجبل نفوسه.
حقا لقد كانت ثورة ليبيا مبهرة أيما إبهار , حتى وإن حاولت بعض الأقلام
وبعض المفكرين المشهورين على الساحة الإعلامية والثقافية النيل منها ,
لأنها قلبت كل المعادلات وجميع المقاييس التي تعلموها وبقوا ردحا طويلا من
الزمن وهم يلقنونا إياها.
لقنونا إن كرامة الحاكم هي كرامة الوطن ولذلك يجب أن لا يمس الحاكم ,
فذاته فوق الشبهات , وأخطاءه مكرمات وحسناته معجزات.
لقنونا أن الشعارات مكانتها فوق كرامة المواطن وفوق لقمة عيشه . وان
الوطن يعيش بهذه الشعارات , ولا يعيش لا بغذاء ولا بطرق ولا مستشفيات أو
مصانع.
لقنونا انه يكفي للحاكم أن يقول , فقط أن” يقول ” في خطبه انه معارض
لإسرائيل وللصهيونية وللإمبريالية فيصبح الحاكم الحر الأبي . ولا يلزمه أو
يجب عليه أن يثبت كلامه بأي فعل , فإذا انبطح أمام الغرب وفتح لهم مخازن
مال دولته , وإذا بقى جزء من وطنه محتل عقودا عديدة , فهذا لا يهم , فهو
“يقول” انه معارض , وحتى إن خرج على وسائل الإعلام الغربية يقول إن امن
نظامي من امن إسرائيل , أو خرج يقول للغرب , تعالوا أمنوا نظامي وخذوا ما
تريدون , فهذا لا يؤاخذ به الحاكم , ما دامت خطبه ” تقول ” انه معارض.
لقنونا أن وسائل الإعلام التي تفتح المخفي وتكشف المستور هي وسائل إعلام
عميلة للغرب وعميلة للاستعمار , وكل كاتب يكتب ما لا يود الحاكم أن يسمعه
فهو عميل ومتآمر ويجب القضاء عليه , وإن الكاتب الذي يطبل للحاكم ” المعارض
” صبح مساء هو الوطني وهو القلم الحر.
كل هذه القيم انتهت وتهاوت كبيت من ورق في وجه سيل هادر طالب بالحرية
والكرامة , وقذفها السيل كالزبد على جوانب الطريق ومضى هادرا لا يلتفت
إلى الوراء نحو هدفه.
دفعت تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا أثمانا باهظة في سبيل نيل حريتها ,
وستكون هي القاطرة التي ستنقل الأمة العربية والإسلامية إلى مستقبل يحترم
فيه الإنسان, يحترم فيه الكائن البشري ويحترم فيه الوطن.
لن يعود الوطن شعارا نتغنى به , ولن تكون نشيدا يردده الصبية صباحا في
طابور الصباح , بل سيكون الوطن والمواطن وحدة واحدة , سيكون الوطن كالعملة
النقدية الكبيرة تتكون من مئات من الوحدات النقدية الصغيرة , وإن نقصت إحدى
هذه الوحدات فلن يعود الوطن كاملا.
فكمال الوطن من تكامل أبناءة , وأبناءه يتكاملون إذا حصلوا على حريتهم
وأشعرهم الوطن بكرامتهم , وأحسوا أنهم جميعا سواسية , فلا هذا ابن فلان فهو
فوق القانون , ولا هذا أبن فلان فله من الحقوق ما ليس لغيره . فكلهم على
تراب الوطن وتحت سماءه يتحملون نفس الواجبات ولهم نفس الحقوق , فلا تمييز
بينهم ولا تمايز , إلا بالجهد والعرق.
يكون القانون أعمى, لا يرى من يلبس أفضل فيحكم له , ويكون أصم فلا يسمع
أن هذا ابن فلان فيحكم له , يكون القانون كالميزان المعتدل الصحيح , بهذا
سينمو الوطن ويكبر ويزدهر.
ولكن كما يجب على الوطن واجبات فعلى المواطن واجبات يجب ان يقوم بها.
أولى هذه الواجبات أن يحب وطنه بحق , لا أن يحب وطنه باللسان.
يتغنى بحب الوطن وهو يطلق الرصاص الحي كلما فرح , فيريع الآمن ويصيب
الغافل البريء.
يتغنى بحب الوطن وهو يلقي بالقمامة في الشارع.
يتغنى بحب الوطن وهو يعطي قريبه حق من الحقوق , غيره أولى بها.
يتغنى بحب الوطن وهو يسمح لنفسه أن يغش في عملة.
يتغنى بحب الوطن وهو يطلب رشوة أو يعطيها.
يتغنى بحب الوطن وهو يذهب لعمله متأخرا ولا ينجز عمله ويخرج مبكرا غير
آبه بأبناء وطنه وحاجاتهم.
يتغنى بالوطن وهو يكذب ويغش ويدلس.
بهذه الممارسات لن يكون الوطن وطنا حقيقيا كما نرغب به ولن يكون كذلك
إلا إن أحترم المواطن بلده وأهله وشعبه.
هنالك رواية أظن كلنا يعرفها , كلنا سمعها ,وأتمنى أن نكون كلنا قد
وعيناها.
يحكى انه كان هناك قرية , وكانوا يتوقعون أن يأتيهم فصل جفاف ولم يكن
إنتاج القرية آن ذاك يكفي لسداد حاجتها , فقام حكيم القرية بوضع وعاء كبير
جدا وله فتحة في أعلاه , وطلب من كل فرد في القرية أن يصب في هذا الوعاء
كأسا من اللبن كل صباح.
في أول يوم ’ كل فرد أتى بكاس من اللبن وصبه في الوعاء , واستمروا يومين
أو ثلاثة , ثم فكر احدهم , لماذا لا أصب كاس ماء , ولن يحس بي احد , بهذا
سوف اكسب كوب لبن لبيتي.
وبعد أشهر , حل فصل الجفاف , وجاء الناس للحكيم يطلبون منه أن يعطيهم من
الوعاء , فقال لهم اغرفوا منه.
غرفوا فإذا هو ماء ,استغربوا ونظر كل منهم للأخر بدهشة وغضب واستحياء ,
وإذ بجميع أبناء القرية فكروا مثل ذلك الرجل.
وهكذا عادوا مرة أخرى للمعاناة من شظف العيش وموت أطفالهم جوعا , وهلاك
ماشيتهم من القحط.
والمغزى هنا , يجب على كل مواطن أن يشعر بان دوره هام في حياة مجتمعة ,
وان كاس الماء إذا أضافه هو فسيكون ليس آخر كاس ماء.
لنسقي وطننا لبنا ليسقينا اللبن . ولا نطلب من الوطن أن يحول ماءنا إلى
لبن , فهذا لن يحصل.
جعل الله أيامكم كلها لبنا.
صالح بن عبدالله السليمان، كاتب مسلم عربي سعودي
الإثنين مارس 10, 2014 2:33 am من طرف dexter ly
» اصحاب - قصيدة مؤثرة جداً على الأصحاب
الإثنين يوليو 22, 2013 4:39 am من طرف ابنك يابرقة
» بوعياد - هافي سفيرهم
الإثنين يوليو 22, 2013 4:38 am من طرف ابنك يابرقة
» نحن مسلاته
الإثنين يوليو 22, 2013 4:37 am من طرف ابنك يابرقة
» ليبيا 17 فبرياير
الإثنين يوليو 22, 2013 4:34 am من طرف ابنك يابرقة
» ما أيفيدكم تهديدي
الإثنين يوليو 22, 2013 4:32 am من طرف ابنك يابرقة
» رد الشاعر على كلمة (من انتم )
الإثنين يوليو 22, 2013 4:32 am من طرف ابنك يابرقة
» ما بي مرض غير فقدت احباب
الإثنين يوليو 22, 2013 4:31 am من طرف ابنك يابرقة
» قصيدة يا طرابلس قوليله
الإثنين يوليو 22, 2013 4:31 am من طرف ابنك يابرقة